سوء استخدام اللغة

كثيراً ما نسمع أو نقرأ صيغ التفضيل في الأخبار الرسمية والمناسبات السياسية وما يدور في

فلكها من أقوال وأفعال تتعلق بهذا المسؤول أو ذاك من أصحاب المراكز الرسمية الرفيعة، فهذا

المسؤول يلقي أفضل خطاب أو يفتتح أكبر مشروع، أو يضع حجر الأساس ل أضخم مبني، أو

يتفقد تنفيذ أوسع شارع، أو يزور أجمل حديقة، وأفضل وأكبر وأضخم وأوسع وأجمل وغيرها من

صيغ التفضيل، تتوالي وتهدر دون حساب، ودون التفكير فيما يمكن أن تؤدي إليه من تضخم في

الذات المعنية بهذا التبجيل الإعلامي المقترن بالمبالغة، والمختلط بالنفاق والرياء بشكل مكشوف وواضح.

وهذا التلاعب باللغة وتسخيرها لخدمة أي مسؤول يشير إلي خلل واضح في استعمال الكلمات

في مكانها المناسب، وهو هنا استعمال مسيس لفلان من الناس أو لمؤسسة من المؤسسات، دون الأخذ بعين الاعتبار المعني الحقيقي للكلمة ذاتها.

صيغ التفضيل قلما كانت تستخدم في لغة الأقدمين إلا بالقدر الذي يفرضه الواقع، دون مبالغة أو

إسراف في هذا الاستخدام، لكن في هذا العصر، وفي ظل استباحة اللغة وانتهاك حرماتها،

وتشويه معانيها.. أصبح من السهل علي المستمع أو القاريء ان يصطدم سمعه أو نظره بمثل

هذه الصيغ التي تجعله في حيرة من أمره بين ما يسمع أو يقرأ وبين الواقع الذي يعيشه.


لقائل أن يقول ان صيغ المبالغة قد تستخدم للتحفيز والحث علي التفوق في مجال ما، فنحن نقول

لأصحاب المواهب من صغار السن مثل هذه العبارات التشجيعية، لنصف أعمالهم بشيء من

المبالغة أحيانا، ورغم أننا لا نصل إلي استخدام صيغة التفضيل في هذه الحالة، لكن المبالغة في

هذا التشجيع قد تكون نتائجها عكسية، لأنها زادت عن الحد، وكما يقال ما زاد عن حده انقلب إلي

ضده ومع ذلك فعلينا أن نفرق بين عبارات التشجيع، والمبالغة ذات الصيغة التي يمكن القول

عنها أنها كاريكاتورية، والعامل المشترك بينهما هي المبالغة، فالكاريكاتير يستخدم لإبراز عيوب

موجودة في الواقع، بينما صيغ المبالغة تستخدم لإبراز حسنات غير موجودة في ذلك الواقع، وما

أوجدتها سوي صيغ المبالغة التي قد تصل بالأفعال أو الأقوال إلي درجة الكمال والكمال لله وحده لا شريك له .


الغريب أن هناك من يستمريء مثل هذا الاستخدام السيئ للغة، ويتعود علي ذلك إلي درجة

الاعتقاد أن هذا من حقه الذي لا يجوز لأحد أن ينازعه عليه، وهذا لون من الأنانية وحب الذات

التي تتجاوز حقائق الأمور لتعيش في عالم من الوهم لا ينتمي للواقع من قريب أو من بعيد،

والخطأ في ذلك ليس خطأه بل خطأ من يضفي عليه أو علي أفعاله وأقواله هذه الصيغ من

التفضيل الذي يفوق طاقة البشر، والمسؤول عن سوء استخدام اللغة هم رجال الاعلام الذين لم تعد العناية باللغة تحظي باهتمامهم.

الإسراف في المديح، والإكثار من صيغ التفضيل لن يقدم شيئا لأي مشروع اصلاحي، فهي تحول

مشاريع الاصلاح الي فقاعات، لا يستفيد منها الوطن أو المواطن، والمستفيد الوحيد منها هو ذلك المسؤول أي مسؤول الذي تهمه نفسه أكثر مما تهمه مصلحة الوطن والمواطن.

فمتي نتجاوز هذا الخطأ في استخدام اللغة كما يجب أن يكون الاستخدام وعلي وجهه الصحيح؟.



....منقوول....


تعليق :-

هذا النوع من الإستخدام السيئ للغة ساهم في ظهور هذة الشخصيات المنتفخة

الأوداج التي يبهرها الضوء فتتعلق به على حساب الأخلاق والقيم والرقي الفكري

نعم كثيرا ما نسمع مثل هذا الزخم الضخم من المديح اللا محدود لكثير من الأشخاص

عند ظهورهم في أي محفل وكذلك لدى كثير من مرضى القلوب في التقرب لمن هو

أعلى منهم منصب فيحط بذلك من شأنهم ويرفع من شأن الآخر بكثير من البهرجة

والتزخرف في القول والعمل والمظلوم في هذا الجانب ذلك المتلقي الذي يسمع من

العبارات التى قد لا يدرك كنهها في أحيانا كثيرة ولكنه يعرف أنها ترمى إلى شئ ضخم

لا يعرف نوعية .

إن وضع الشئ في موضعه الصحيح يعطي قيمته الفكرية والمعنوية سواء على صعيد

الفرد أو المجتمع أو المؤسسة مما يساهم في إنزال الأشخاص والأفعال المتعلقة بهم في

مكانتها الصحيحة وهذا ما نتمنى أن نراه من مثقفين قبل غيرهم .

مشكوور و تقبل مروري

مشكووور على الموضوع